في 12 نوفمبر 2021، أعلنت الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ اختيار مصر ممثلا عن قارة أفريقيا لاستضافة فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية COP27، والتي ستعقد في نوفمبر 2022، بمدينة شرم الشيخ.
سبق هذا الاختيار حدثين رئيسيين مهدا الطريق أمام حصول مصر ومن خلفها القارة الأفريقية على فرصة استضافة هذه القمة الهامة، ووفقا للقرار رقم 1129 لعام 2019 فقد أعيد تشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية ووضعه تحت رئاسة د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، لخلق التزامات سياسية نحو العمل المناخي ودمجه في الخطط التنموية للدولة، كما أعقب ذلك إطلاق مصر للاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وذلك على هامش مشاركتها في فعاليات مؤتمر المناخ COP26 بجلاسكو في نوفمبر 2021، وهي الاستراتيجية التي تتطلع لتمكين مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة لدعم إنفاذ غايات التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 عبر اتباع نهج مرن ومنخفض الانبعاثات، وذلك طبقا لما جاء في تصريحات وزيرة البيئة المصرية د. ياسمين فؤاد.
جدير بالذكر الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية تعمل على تحقيق خمسة أهداف رئيسية يمكن إيجازها فيما يلي:
• تحقيق نمو اقتصادي مستدام عبر اتباع نهج التنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وذلك من خلال زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، وتبني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامين.
• بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من الآثار السلبية ذات الصلة بتغير المناخ، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية، وتحسين البنى التحتية والخدمات المرنة في مواجهة آثار التغير المناخي، وإنشاء نظم الإنذار المبكر.
• تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، من خلال تحديد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة من أجل تحقيق أهداف الاستراتيجية.
• تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية.
• تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ.
إن قمة المناخ التي تستضيفها شرم الشيخ، تكتسب بالفعل أهمية خاصة لعدة أسباب موضوعية أولا أنها تعقد في القارة الإفريقية والتي تعد أكثر قارات العالم هشاشة في مواجهة تداعيات الاحتباس الحراري، والأكثر عرضة للتأثر بها، بالرغم من كونها صاحبة أقل انبعاثات.
ثانيا صدور الجزء الثاني من التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ IPCC التابعة للأمم المتحدة والذي يرصد آثار تغير المناخ على الناس والنظم البيئية، في فبراير الماضي، والذي أطلق صرخة تحذير مدوية بشأن الاحتباس الحراري مؤكدا على أن الفرصة المتاحة للتحرك تنكمش بسرعة هائلة “فإما الآن أو لن نستطيع أبدا الحد من الاحترار”.
ثالثا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على جهود الحد من الاحترار، ففي سبيل سعي أوروبا والمملكة المتحدة ودول أخرى إلى خفض اعتمادها على النفط والغاز الروسي، يتجه الكثيرون إلى الفحم أو استيراد الغاز الطبيعي المسال كمصادر بديلة متجاهلين سياسات الحد من استخدام الوقود الأحفوري، وهذا النهج ينذر بخطر كبير على المناخ كما أكد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش منذ أيام قليلة، هذا بخلاف توقف الأبحاث الحيوية حول انبعاثات الكربون في القطب الشمالي والتي كان من المقرر أن تبدأ خلال أسابيع قليلة، ومع ملاحظة أن روسيا تمثل نصف مساحة القطب الشمالي، إلا أن الغزو الروسي قضى على أي فرصة للتعاون العلمي مع الباحثين الروس.
أيضا ومع تقدم الصراع، يشعر الخبراء بالقلق من أن تآكل التعاون السياسي بين دول القطب الشمالي يمكن أن يترك الأنشطة الروسية الضارة بيئياً تمر في المنطقة دون رادع، مما يزيد من تفاقم آثار تغير المناخ.
هذه الملابسات الإقليمية والدولية، تجعل قمة المناخ المقبلة ذات أهمية استثنائية، وتؤسس حالة من الزخم غير المسبوق حول ظاهرة التغير المناخي وتداعيات الاحتباس الحراري، وهو الأمر الذي يستدعي أن تبدأ المنظمات الأهلية المصرية والعربية، الآن وفوراً في الانخراط بفعالية في هذا الشأن، لتطرح نفسها كشريك فاعل يمكن للحكومات أن تعتمد عليه في إنفاذ استراتيجية الحد والتكيف.
ونحن في هذه السطور لا نتوجه بالحديث فقط إلى المنظمات والجمعيات الأهلية المعنية بالبيئة، والتي قدمت بلا شك إسهامات كثيرة وملموسة في التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة والحد من التلوث وإعادة التدوير والحد من استخدام الفحم وغيرها من المجالات ذات الصلة.
إلا أننا أصبحنا اليوم إزاء مرحلة جديدة كليا، تتطلب فهم عميق للأبعاد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية لتغير المناخ، ومن ثم إعادة صياغة لدور المجتمع المدني بمختلف مكوناته ومجالات نشاطه للإسهام في الحد من تغير المناخ والتكيف معه.
إن الأبعاد المتعددة للتغير المناخي، تعني بالضرورة أن القضية لا ينبغي أن تبقى على أجندة جمعيات البيئة وحدها، وإنما لابد أن تسهم كل جمعية أو منظمة أهلية سواء مركزية أو متوسطة أو قاعدية، في إحداث الفرق.
أطلقت عدة جمعيات مركزية ومظلة خلال الأشهر القليلة الماضية عدة مبادرات ولقاءات وندوات حول التغير المناخي، ومن المتوقع أن تتواتر هذه الفعاليات خلال الشهور القادمة وذلك في إطار التحضير لقمة المناخ، ولكن علينا قبل الاندفاع في عقد هذه الفعاليات أن ننتبه إلى ماذا بعد؟
إذا أرادت المنظمات الأهلية أن تقدم نفسها كشريك فاعل للحكومات العربية في مواجهة تداعيات تغير المناخ والتكيف مع آثاره، عليها أن تراعي عدة اعتبارات منها على سبيل المثال:
• توسيع نطاق الشراكات والعمل الجماعي في الترتيب لعقد الفعاليات وإطلاق البرامج والمبادرات ذات الصلة، بحيث تكون واسعة الانتشار وعميقة التأثير.
• إعداد خرائط معرفية وطنية حول أهم التحديات المناخية التي تواجه بلداننا العربية.
• إتاحة المعرفة أمام الكوادر التنموية حول التغير المناخي وأبعاده وبناء قدراتها في هذا الشأن.
• دراسة الاستراتيجيات الوطنية لمواجهة التغيرات المناخية أو خطط التنمية المستدامة الوطنية، وبلورة برامج عمل استنادا إليها.
أخيرا، علينا كمجتمع مدني عربي أن نتقن فن إدارة حالة الزخم التي تخلقها استضافة حدث دولي استثنائي مثل قمة المناخ في المنطقة العربية والقارة الإفريقية، لنستفيد منها في بلورة خطط عمل طويلة الأجل للقيام بدور فعال في التخفيف من حدة آثار أخطر ظاهرة كونية يمر بها كوكب الأرض منذ آلاف السنين.
*هدى البكر
المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية