كيف يمثل تغير المناخ تهديدا للاقتصاد العالمي؟

كيف يمثل تغير المناخ تهديدا للاقتصاد العالمي؟

في أبريل 2021 صدر تقرير هام تحت عنوان “اقتصاديات تغير المناخ: عدم التحرك لم يعد خياراً”، الذي توقع أنه بحلول منتصف القرن الحالي 2050، عدة سيناريوهات بخصوص الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وذلك بالمقارنة بعالم خال من تغير المناخ، وأهمية التقرير تأتي بسبب صدوره عن مركز الأبحاث التابع لمجموع Swiss Re، وهي واحدة من أكبر شركات تقديم خدمات التأمين وإعادة التأمين وغيرها من أشكال تحويل المخاطر القائمة على التأمين في العالم.

السيناريو الأول هو انخفاض الناتج العالمي بنسبة 4%، حال تم الالتزام الكامل بأهداف اتفاقية باريس بتحقيق صفر انبعاثات وظل الارتفاع بدرجة حرارة الأرض عند أقل من درجتين، أما السيناريو الثاني فيتوقع انخفاض الناتج العالمي بنسبة 11% إذا ارتفعت حرارة الأرض بنحو 2 درجة مئوية، وهو ما يعني اتخاذ حزمة جيدة من إجراءات التخفيف، وفي حالة الاكتفاء ببعض الإجراءات الهزيلة سوف ينعكس سلباً على ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 2.6 درجة مئوية فإن حجم الخسارة المتوقعة للناتج العالمي سوف تصل إلى 14%، وأخيرا يأتي السيناريو الأسوأ على الإطلاق والذي يتمثل في الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات للتخفيف من حجم الانبعاثات،  وهو ما يؤدي إلى خسارة تصل إلى 18% من إجمالي الناتج العالمي مقارنة بعدم حدوث تغير مناخي.

هذه السيناريوهات تعني أن عنوان التقرير صادق تماماً، وبأن عدم التحرك للحد من الاحترار لم يعد خياراً مطروحاً أمام المجتمع العالمي.

ولكي ندرك مدى خطورة تأثير تغير المناخ على الاقتصاد العالمي، وكيف أن التقاعس عن إنفاذ اتفاقية باريس أو على الأقل الالتزام بحزمة إجراءات جادة لخفض الانبعاثات، سوف يتسبب في هذه الخسارة الهائلة، سوف نتناول بشيء من الإيجاز نماذج للتأثيرات المباشرة وغير المباشرة لتغير المناخ على عدد من مقومات الاقتصاد العالمي.

تعد الزراعة واحدة من أشد الأنشطة الاقتصادية تأثرا جراء تغير المناخ، ويختلف الأثر المتوقع لتغير المناخ على الزراعة من منطقة إلى أخرى، ومن أمثلة هذه التأثيرات التصحر وانكماش الرقعة الزراعية في بعض دول العالم كما في أفريقيا، ومن المتوقع أن تزداد الأراضي القاحلة وشبه القاحلة بها بنحو 60 مليون هكتار عام 2100، وأيضا تذبذب الانتاجية فقد توقعت دراسة حديثة لوكالة ناسا انخفاض إنتاج الذرة على مستوى العالم بنسبة 24% بحلول عام 2030 إذا استمر سيناريو الانبعاثات المرتفعة، في حين سوف يرتفع إنتاج القمح بنسبة 17% وهو ما يعني تغير نماذج إنتاج المحاصيل وخرائط  الإنتاج الزراعي، هذا إلى جانب أن الظواهر المناخية المتطرفة المرتبطة بتغير المناخ كالفيضانات وحرائق الغابات وموجات الجفاف يتسبب بالفعل في انخفاضات مفاجئة في الإنتاجية الزراعية الكلية في العديد من الدول.

يرتبط بقطاع الزراعة أيضاً، الانتاج الحيواني، بحالة الإجهاد الحراري التي تتسبب فيها موجات الحر المتزايدة التي يتعرض لها العالم وستؤدي إلى انخفاض الإنتاجية والخصوبة، كما سيكون له آثار سلبية على المناعة مما يجعل الماشية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.

تلك الصعوبات والتحديات التي تواجه قطاع الزراعة والانتاج الحيواني لها بالتأكيد انعكاسات شديدة السلبية على الأمن الغذائي العالمي.

لتغير المناخ آثار مباشرة على البنى التحتية لدول العالم أيضاً، فالظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها تتسبب في خسائر هائلة في البنية التحتية للمناطق المتضررة، ومنها المطارات وشبكات المياه، وشبكات النقل والمواصلات والطرق، هذا بالإضافة إلى أنظمة الاتصالات فقد كشفت دراسة أجريت عام 2018 في الولايات المتحدة، أن أكثر من 4000 ميل من كابلات الألياف الضوئية ومراكز البيانات ونقاط النهاية -وهي شريان الحياة لشبكة المعلومات الدولية- معرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر.

فيما تعلق بالتجارة الدولية والأسواق المالية والأعمال الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، فإن تغير المناخ وتداعياته سيكون له آثار سلبية مركبة على المصانع وسلاسل التوريد والشركات، فهناك مخاطر تتعلق بارتفاع أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج جراء الجفاف الذي سيجعل المياه أكثر تكلفة.

وفي عام 2018، طلب مشروع الكشف عن الكربون CDP من أكثر من 7000 شركة تقييم مخاطرها المالية من تغير المناخ، وكشف CDP عن أن 215 من أكبر 500 شركة في العالم يمكن أن تخسر ما يقدر بنحو تريليون دولار بسبب تغير المناخ، ما لم يتخذوا إجراءات استباقية، أما الوجه الآخر من العملة فيوضح أن التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري سيكون له تأثير كبير على البنوك وشركات الاستثمار التي لها علاقات مع صناعته.

يهدد تغير المناخ أيضاً الاقتصاد الأزرق، والذي يسهم بنحو 2 تريليون دولار سنوياً، حيث يعتمد البشر على المحيطات في قطاعات التجارة والسياحة والأمن الغذائي والمستحضرات الدوائية والأبحاث والطاقة، وبجانب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر بنحو 0.11 درجة مئوية كل عشر سنوات منذ ثمانينات القرن الماضي، يرتفع سطح البحر بحوالي 3 سم كل عقد، هذا بالإضافة إلى التلوث وارتفاع معدلات الحمضية، وهو ما أثر على الحياة البحرية ويعرض المجتمعات التي تعتمد عليها كمصدر للدخل والطاقة والأمن الغذائي للخطر.

تتأثر السياحة أيضا بتغير المناخ، لأن عدم الراحة بسبب ارتفاع الحرارة قد يتسبب في انخفاض الطلب على العديد من الوجهات السياحية، أما انخفاض مستوى هطول الثلوج فسوف يضر بقطاع السياحة الشتوية، أيضا ارتفاع مستوى سطح البحر سوف يؤدي إلى غمر الجزر الصغيرة والمناطق الساحلية، ومن ثم تراجع سياحة الشواطئ.

ومن الآثار غير المباشرة لتغير المناخ، انخفاض إنتاجية القوى البشرية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والتي تؤثر على إنتاجية الفرد، فقد توصلت ورقة عمل جديدة للمكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية إلى أن السنوات الأكثر حرارة تحقق معدلات إنتاج أقل للفرد في البلدان الأكثر سخونة من المتوسط لتصل إلى 3٪ إلى 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

بعد استعراض الملامح العامة القاتمة لتأثير تغير المناخ على الاقتصاد العالمي، علينا أن ننتبه إلى أن خطط التكيف والتخفيف تحمل في رحمها فرص جديدة، وذلك في مجالات الطاقة النظيفة، والمباني الخضراء والمرنة، وإنتاج السيارات الهجينة والكهربائية وقطاع النقل العام الكهربائي. كما يمكن أن يؤدي إنشاء البنى التحتية الخضراء والبنى التحتية الساحلية الأكثر مرونة إلى خلق العديد من الوظائف الجديدة والفرص الاستثمارية المفيدة، ولكن يبقى الحل في أن يتعامل العالم كوحدة واحدة في مواجهة تغير المناخ، تبقى قيمة التضامن العالمي محورية كي نصل جميعا إلى بر الأمان، وهو ما يعني ضرورة أن تفي الدول المتقدمة وصاحبة النصيب الأكبر من الانبعاثات بالتزاماتها، وأن تقف بجدية إلى جوار الدول الهشة والاكثر عرضة للخطر، والأقل اسهاما في الانبعاثات لتمكنها من التكيف والتخفيف كي ينجو الجميع من غضبة الكوكب.

*هدى البكر
المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية

شاهد ايضا