تغير المناخ ونزوح البشر.. الأزمة الصامتة

تغير المناخ ونزوح البشر.. الأزمة الصامتة

يضطر ملايين البشر كل عام إلى النزوح من منازلهم، وترك حياتهم خلفهم، ليس بسبب الصراعات والحروب فحسب، وإنما بسبب الكوارث المرتبطة بتغير المناخ أيضا والتي تتنوع ما بين ارتفاع مستوى سطح البحر، والاحترار الشديد، والجفاف، والتصحر، والفيضانات، والعواصف، وحرائق الغابات، وغيرها.

ويبلغ متوسط عدد النازحين بسبب الكوارث المناخية حوالي 20 مليون شخص سنوياً، وفقاً لإحصاءات وتقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، ومركز مراقبة النزوح الداخلي IDMC.

بلغ عدد النازحين داخلياً -أي داخل دولهم- بسبب الكوارث الطبيعية خلال عام 2021 فقط، نحو 23.7 مليون نازح، 94% من هؤلاء نزحوا بسبب كوارث تتعلق بالمناخ، وأغلب هؤلاء النازحين جاءوا ضمن عمليات إجلاء استباقية لمواجهة الأعاصير والفيضانات في آسيا والمحيط الهادئ.

وهنا تجدر الإشارة إلى تقرير عن البنك الدولي الصادر عام 2018، تحت عنوان “الاستعداد للهجرات الداخلية الناجمة عن تغير المناخ”، والذي أشار إلى أن التباطؤ في التحرك للتخفيف من الاحتباس الحراري والتكيف مع تداعيات التغير المناخي، سوف يجعلنا مضطرين للتعامل مع نحو 140 مليون نازح/مهاجر داخلي في أفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب أسيا، وأمريكا اللاتينية وحدهم، وذلك بحلول عام 2050.

ويبدو من إحصاءات النزوح الداخلي لعام 2021، والصادرة عن مركز مراقبة النزوح الداخلي أن ما حذر منه البنك الدولي في تقريره قبل أربع أعوام قد يتحقق قبل حلول عام 2050، ففي عام 2021 بلغ عدد النازحين داخلياً جراء الكوارث المناخية في أفريقيا جنوب الصحراء نحو 2.6 مليون، وفي آسيا والمحيط الهادئ نحو 13.7 مليون.

ومما لا شك فيه أن الفئات الهشة هي الأكثر عرضة للنزوح الداخلي، وهذا النزوح يضيف المزيد من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على كاهلها، كما يضع الحكومات الوطنية أيضاً أمام تحديات هائلة مثل الإغاثة العاجلة، وإعادة دمج النازحين في المجتمعات الجديدة، بكل ما يرتبط بذلك من إعادة تخطيط لتلك المجتمعات لاستيعاب النازحين.

والنزوح جراء تداعيات تغير المناخ، لا يقتصر فقط على النزوح الداخلي، ولكن قد يضطر المتضررين أحيانا إلى اللجوء إلى بلدان أخرى -النزوح الخارجي- ففي نوفمبر 2020، ضربت الأعاصير هندوراس وجواتيمالا والسلفادور، ومن ثم تدفق النازحين عبر الحدود إلى المكسيك ومنها إلى الولايات المتحدة بعدما فقدوا منازلهم جراء الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية ليضطروا للنزوح.

هذا الأمر يطرح على الطاولة مفهوم حديث نسبياً وهو “لاجئو المناخ”، وهم من يغادرون بلدانهم تحت تأثير تغير المناخ والكوارث ذات الصلة بتأثيراته.

وبينما تتحمل دول النازحين داخليا جراء تغير المناخ، مسؤوليتهم وتلتزم بحمايتهم وإعمال حقوق الإنسان الخاصة بهم داخل أراضيها دون تمييز، يواجه “لاجئو المناخ” في بلدان أخرى أوضاعا تصطدم بإشكاليات عدة منها عدم وجود تعريف قانوني محدد، مع عدم توافر بيانات دقيقة بأعداد النازحين خارجياً جراء الكوارث المناخية، بالإضافة إلى أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول المكمل لها لعام 1967، لا يشير إليهم بشكل محدد، ومن ثم قد لا تنطبق على الكثيرين منهم معايير اللجوء، وهنا قد يكون القانون الدولي لحقوق الإنسان هو المخرج المناسب استنادا إلى مبدأ عدم إعادة الأشخاص قسرياً إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر حقيقي.

والمجتمع الدولي حتى الآن لم يحسم الجدل بشأن مفهوم “لاجئو المناخ”، ولا بشأن حقهم في أن تشملهم اتفاقية اللاجئين، حيث تدفع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بأن لاجئي المناخ أو التغيرات البيئية مازال يمكنهم -نظريا- الاعتماد على حكوماتهم، في حين أن اللاجئين التقليديين لا يستطيعون فهم في الأغلب ضحايا الاضطهاد من جانب هذه الحكومات، أو ضحايا صراعات مسلحة الحكومات هي أحد طرفيها.

رغم هذا الجدل الدائر، إلا أن هناك جهود دولية بدأت منذ عام 2012، بإطلاق مبادرة Nansen للنظر في ظاهرة الهجرة الخارجية بسبب المناخ، ووضع تدابير مساندة تلبي احتياجات الأشخاص والمجتمعات النازحة من آثار الأخطار الطبيعية والآثار السلبية لتغير المناخ داخل الحدود وعبرها.

وفي سبتمبر 2016، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك من أجل اللاجئين والهجرة والذي اعتبر أن الآثار السلبية لتغير المناخ والكوارث الطبيعية التي يرتبط بعضها بتغير المناخ أو عوامل بيئية أخرى تأتي ضمن أسباب نزوح البشر وهجرتهم من بلدانهم الأصلية. كما أن الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية “GCM”، والذي تمت المصادقة عليه في ديسمبر 2018 في المغرب، قد أقر في إطار هدفه الثاني بالوضع العاجل للمهاجرين النازحين بسبب تغير المناخ، وتناولت قمة المناخ COP24 التي عقدت في العام نفسه قضية النازحين بسبب تغير المناخ.

مفوضية شئون اللاجئين خلال أعمال قمة المناخ COP26 عام 2021، أكدت أن أزمة المناخ أزمة إنسانية تؤدي إلى النزوح، وأن المفوضية توفر الحماية والمساعدة للعديد من النازحين بسبب آثار تغير المناخ.

خلاصة القول أن قضية النزوح الداخلي والخارجي جراء تداعيات تغير المناخ وما يصاحبها من إشكاليات، تفرض نفسها على أجندة المجتمع الدولي، ويتم تناولها في المنتديات والمحافل الدولية، إلا أنها مازالت تعاني من ضبابية شديدة في إطار القانون الدولي، وهو ما يثير القلق بشأن مستقبل هذه الظاهرة المتوقع تفاقمها، وآليات التعاطي معها على المستويين الوطني والدولي.

*هدى البكر

المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية

شاهد ايضا