يعد تغير المناخ الناجم عن الاحتباس الحراري، الذي تسببت فيه البشرية، أكبر التحديات التي تواجه العالم حاليا، لذا يجب على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أن تضطلع بدورها وتكون أهم المصادر الخاصة بإتاحة المعلومات والبيانات بشأن هذه القضية.
فهل تقوم وسائل الإعلام بخاصة في عالمنا العربي بالدور المنوط بها؟ وكيف يمكن أن تكون أكثر فاعلية وتأثيرا في إثارة الوعي بخطورة تغير المناخ وانعكاساته على جودة حياة البشر والتنوع البيولوجي؟
تداعيات الاحتباس الحراري الأساسية تشمل تغير درجات الحرارة، وارتفاع حمضية المحيطات، وزيادة معدلات حرائق الغابات، والعديد من التأثيرات الضارة على التنوع البيولوجي، هذا بخلاف التداعيات الاجتماعية بعيدة المدى والتي من بينها تقلص المساحات الصالحة للسكن، والتدهور الاقتصادي، وزيادة معدلات الجوع، والتهديدات الصحية، وتهديد العديد من مجموعات السكان الأصليين، وتعميق اللامساواة، وذلك في ظل تحمل الدول النامية الضرر الأكبر جراء تغير المناخ رغم ضآلة إسهامها في الاحتباس الحراري.
وعلى الرغم من أن آثار تغير المناخ تنعكس على المجتمع ككل، إلا أنه يصعب على السواد الأعظم من الناس إدراك تغير المناخ وفهمه، فالغالبية العظمي تتعامل معه على أنه مسألة علمية معقدة، ولا يهتم بها طالما أنها لم تؤثر عليه بشكل مباشر بأن يكون أحد المتضررين من الظواهر المناخية المتطرفة كالفيضانات أو الأعاصير أو الجفاف.
وهنا يأتي الحديث عن دور وسائل الإعلام في إتاحة المعلومات عن هذه القضية وإثارة وعي المواطنين بخطورتها وتأثيرها على جودة حياتهم جراء تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعيدة الأمد.
في الواقع تعد مسألة دور الإعلام في إثارة الوعي بتغير المناخ معقدة، وتحتاج إلى دراسات معمقة لرصد أنماط وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا على المواطنين، وذلك طبقا للفئات العمرية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
وكذلك إجراء تحليل كمي وكيفي لتناول وسائل الإعلام المختلفة لقضية تغير المناخ من حيث كثافة التناول، ونوعية المواد الإعلامية ذات الصلة، كما تبدو الحاجة ماسة لقياس الوعي المجتمعي الراهن بالقضية لنعرف من أين نبدأ بالتحديد.
تلك الدراسات وغيرها أرضية معرفية هامة ستساعدنا على صياغة استراتيجيات إعلامية وطنية في دولنا العربية لإشراك المواطن العربي بفاعلية في الحد والتكيف مع تغير المناخ. وإذا كنا لا نمتلك بعد الدراسات الوافية التي ترصد تعاطي الإعلام العربي مع تغير المناخ، إلا أنه لا يخفى على أحد أن هذه القضية لا تشغل المساحة التي تستحقها على أجندة الإعلام العربي، بالنظر إلى خطورتها.
ويمكن رصد جانب من السمات العامة التي تغلب على هذه التغطية على النحو التالي:
• موسمية تتصاعد وتيرتها بالتزامن مع الأحداث الإقليمية والدولية ذات الصلة.
• تحتل مساحة محدودة جدا مقابل تغطية أخبار الاقتصاد والسياسة والفن والرياضة.
• يغلب عليها طابع التناول العلمي التقليدي، دون طرح واضح ومعمق للأبعاد الاجتماعية لتغير المناخ وتأثيراته المباشرة على جودة الحياة وهو الأمر الذي من المتوقع أن يثير اهتمام القارئ ووعيه بخطورتها.
• تعاني تغطية الإعلام لقضايا تغير المناخ من الصعوبات المتوقعة فيما تعلق بتوصيل الأخبار ذات الطابع العلمي بطريقة سلسة للجمهور العام غير المتخصص.
• عدم قدرة وسائل الإعلام على توضيح تأثيرات تغير المناخ بطريقة مبسطة في سياق المجتمعات المحلية، وهو ما يعني بقاء القاعدة الشعبية بعيدا عن القضية وتداعياتها.
يمكن أن يرجع هذا القصور في الاهتمام الإعلامي في أغلب دولنا العربية بقضايا تغير المناخ إلى عدة أسباب منها:
• حداثة اهتمام الدول النامية ومنها الدول العربية بقضية التغير المناخي بالنظر إلى أن الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ لعام 1992 وبروتوكول كيوتو لعام 1997، قد اعتبروا البلدان الصناعية هي المسؤولة تاريخيا عن تغير المناخ العالمي، ومن ثم تم تهميش القضية في الدول النامية.
• اهتمام العالم العربي بالصحافة العلمية جاء متأخرا، ففي حين يعود تاريخ أولى المجلات العلمية في فرنسا وإنجلترا إلى ستينيات القرن السادس عشر، فقد جاءت أول مجلة علمية عربية “اليعسوب” في مصر في القرن التاسع عشر عام 1865.
• ندرة الكوادر الإعلامية في مجال الإعلام والصحافة العلمية، وهو ما يجعل تغطية أخبار القضايا ذات الطابع العلمي تقليدية بحيث تقتصر على الإحصاءات مثل أعداد ضحايا الكوارث الطبيعية والمساحات المتضررة والخسائر المادية دون التطرق للتداعيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
• مرور دول المنطقة بالعديد من الأزمات، والصراعات والحروب الأهلية والإقليمية، وموجات الإرهاب عبر عدة عقود، دفع بالقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية إلى الواجهة مع تراجع الاهتمام بغيرها من القضايا العلمية ومنها بالطبع تغير المناخ.
يمثل ما سبق بعض التحديات التي تواجه تطور تناول الإعلام العربي لقضايا تغير المناخ، وهو الأمر الذي لم يعد مقبولا في ظل تنامي خطورة الاحتباس الحراري وتصاعد حدة التداعيات ذات الصلة على دول المنطقة العربية، وفي ظل أهمية إشراك المواطن العربي في جهود الحد والتكيف مع تغير المناخ، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون قيام وسائل الإعلام العربية عبر التعاون مع الخبراء والمتخصصين سعياً لتبسيط المعلومات العلمية وتوضيح الأبعاد الاجتماعية المركبة لتغير المناخ وتوصيلها للمواطن بأفضل طريقة لزيادة مستوى وعيه بخطورة تغير المناخ، وتمكينه من بلورة آلياته الذاتية للحد والتكيف مع تداعيات هذا الخطر المحدق بكوكبنا.
*هدى البكر
المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية